بعد الفراق …مع الالتقاء
من بعيد …وسط الزحام والأصوات والضجيج لمحَته يقترب ،من بعيد رأت وجهه ولمحت ابتسامته ،وسواد عيونه يخترق أعماقها كالسهم … وهي من طال بها الانتظار، وجرحها الشوق إلى سماع آخر أخبار الجنود عن طريق التلفاز أو المذياع ،ففتحت طريقاً وسط الزحام أسرعت إليه متلهفة ليحتضنها ويضمها بحنانه …ابتسم بسخاءٍ وحرارة وحنان ،فأسرعت واختبأت عنده من الانتظار فقد كان قد انتقل مع الجنود لحماية الوطن وغاب عنها فترة طويلة ،همست له برقة وحنان تصاحبها فرحة اللقاء وتمني عدم عودة الماضي ((تعبت يا زوجي العزيز ،تعبت فلحظات بعادك هذه كادت تقتلني )) فأمسك بها بحنان وضمها إلى صدره بعد أن اخبرته بخبر إنجابها طفلهم الأول وقالت له (كم هو رائع أن أراك …أن أذوب بك حباً وتدفئني بعينيك ) لقد كانت وهو في الحرب عندما تسمع صوته على الهاتف وتسمع همس كلماته تتسلل إلى مسامعها كأنغام الموسيقى اللطيفة التي لم تفارقها طوال أيام غيابه …والان بعد أن رأته سالماً قد عاد إليها تناست سريعاً كم انتظرت ،وكم أضعفها اليأس مرات وكم فجر الدمع في أعينها فتمضي من مكان لمكان تداري حزنها وكبريائها كي لا تجرحه كلمة ، كي لا يؤلمه سؤال …فيندرج عنواناً لذكرى حزينة تنتهي ذات يوم بفرحتها للقاء به ،الذكرى الحزينة التي سرعان ما تحولت لصورة حاضر مشرق ،الذكرى التي سرعان ما تلاشت لينبثق مكانها مستقبل يغمره الأمل والتفاؤل ،ولقد زاد من اطمئنان الزوجة وأوقف خوفها هو عدم رجوع زوجها مرة أخرى للعسكرية ،ليس كرهاً منها من أن يدافع زوجها عن الوطن بل بسبب شدة حاجتها لوقوف رجل إلى جانبها ،أنها لا تحتاج أن يقف إلى جانبها أحد غير زوجها ليعوضها بفاجعة فقدان والدها وأخاها أثناء غيابه … وبعد مرور دقائق طلب منها زوجها الرجوع إلى البيت ؛حتى لا تطول فترة وجودهما في المطار وبسبب شدة شوقه لرؤية طفله الأول ،الذي تركه جنيناً لا يتجاوز الأشهر داخل رحم أمه و رجع أخيرا ليراه شبلا قوياً من أشبال الوطن بناة المستقبل الذي لا بد من أن يدافع عن وطنه الذي ضحى من اجله والده بلحظات وجوده إلى جانب أمه في المستشفى ساعة الولادة ،وكل ذلك من اجل إعلاء هدفه في الدفاع عن الوطن وحمايته من الأعداء .